إنّ الزواج من أهم القضايا الاجتماعية التي تقوم على دعائم قوية ومواثيق غليظة، فمنذ أن يجتمع الزوجان في بيتهما الهانئ الهادئ.. تتجاذب الشحنات العاطفية بينهما.. كما تتجاذب الشحنات الكهربائية (الموجبة والسالبة).. فيمسك الزوج بيد زوجته بالمودة والرحمة، فيدرك بعد أن يجتمعا في سقف واحد أسرار القرآن في تلطيف الأجواء العاطفية بين الزوجين، وسر استخدام كلمات رقيقة تتلاءم مع الجو الرومانسي.
قال الله تعالى: (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) الروم 21.
إنّ قرار الزواج يعتبر من أخطر القرارات في حياة الإنسان، ويعد من أهم مراحل في تغيير مسار الحياة البشرية فينتقل المرء من اعتماده على الآخرين إلى تحمل كافة المسؤوليات ( القوامة الزوجية، تكوين البيت، تربية الأبناء).
نحن نعلم أنّ الأغصان لا تتعانق إلا بعد اختيار التربة الصالحة والماء المناسب، وهكذا لا يكون الحياة الزوجية متماسكة متعانقة إلا إذا قامت على دعائم متينة واختيار سليم.
قال الله تعالى: (( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ )) (الأعراف 58)
أنّ الإسلام بشموليته لم يترك أمراً من أمور الإنسان إلا وكان له فيه رأي صائب.. وتوجيه حكيم.. فقد وضع معايير وضوابط واضحة.. لهدف الزواج.. وشروطه.. وما يترتب عليه من حقوق بحيث تضمن بناء عش آمن.. يسعد فيه الزوج.. وتستقر عواطف زوجته.. ويجد فيه الأبناء اللمسة الحانية.. والتربية الإسلامية.. والقبلة العاطفية.
لقد حث ديننا الحنيف على الاختيار القائم على أسس إسلامية، فالمرأة كما علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم تنكح لأربع لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولكنه صلى الله عليه وسلم وجه أنظار الشباب إلى ذات الدين التي تعاينه في أمر دينه ودنياه ( فاظفر بذات الدين تربت يداك).. بالإضافة إلى البحث عن المنبت الحسن فيسأل الخاطب عن أهل الفتاة التي يريد أن يتخذها زوجة له.. ويتعرف على أخلاقهم.. وأحوالهم.. لأن الولد كما يقول علماء الوراثة: ربما يتأثر بصفات جدّه السابع.
ومن بعض التصرّفات التي تنعكس على خلق الأبناء، اختيار زوجة من أهل الكتاب، فقد كره العلماء هذا الزواج وأن كان جائزاً.. خشية أن يغير الأبناء دينهم، أما زواج المسلمة بغير المسلم فقد حرمه الشرع، ولا يحل هذا الزواج أبداً.
ولا نقصد في هذا الطرح أن نقول أن الاختيار يقع على عاتق الزوج وحده، فالفتاة مسؤولة عن حسن الاختبار وتقع على عاتقها وعاتق أهلها، فإذا جاء إلى أهل الفتاة شاب يلبس لباس الدين والخلق فلا يطرد من الباب، ولا يقال له أرجع، لأنه إن أحب زوجته أكرمها، وأن كرهها لم يهنها، فننصح أهل الزوجة بمسارع على الموافقة المتأنية وقبوله زوجاً لابنتهم دون تردد.
ومن الأمور التي حض علماؤنا عليها ولكن المجتمع ينفر منها في هذا العصر، وقد يعدها منقصة ومعرّة!! أن يبحث أو يسعى ولي الفتاة إلى رجل صالح ذو خلق كريم لخطبة بنته أو أخته، حرصاً منه على عفتها وسعادتها في بيتها.
وهناك بعض القضايا المخزية في هذه الأيام أن نجد ولي الفتاة لا يسأل إلا عن وظيفة الخاطب و يستفسر فقط عن أموره المادية، وهل سيوفر لها سبل الراحة والرفاهية في حياتها؟
ومن عجائب الزمن أن القليل من الأباء من يسأل أو يهتم بخلق الشاب الخاطب ودينه.
فلنحرص على تزويج الفتاة من شاب يأمرها بالصلاة والصيام، ويسعدها في حياتها، ويهتم بتربية الأبناء تربية صالحة، كما على الشباب أن يحرصوا على اختيار المرأة الصالحة، فالدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة، التي إذا أمرها أطاعته، إذا نظر أليها أسرته، وإذا غاب عنها حفظته في ماله ونفسها