المقالة السادسة حول اللغة : دافع عن الاطروحة القائلة : " أن اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه " الاستقصاء بالوضع
I-
طرح المشكلة : تعد اللغة بمثابة الوعاء الذي يصب فيه الفرد أفكاره ،
ليبرزها من حيز الكتمان الى حيز التصريح . لكن البعض أعتقد ان اللغة تشكل
عائقا للفكر ، على اعتبار أنها عاجزة عن إحتوائه والتعبير عنه ، مما يفترض
تبني الاطروحة القائلة ان اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه ، ولكن كيف يمكن
الدفاع عن هذه الاطروحة ؟
II- محاولة حل المشكلة :
1- أ - عرض
الاطروحة كفكرة : يرى أنصار الاتجاه الثنائي ، أن هناك انفصال بين الفكر
واللغة ، و أنه لا يوجد تناسب بين عالم الافكار وعالم الالفاظ ، حيث ان ما
يملكه الفرد من أفكار و معان يفوق بكثير ما يملكه من الفاظ وكلمات ، مما
يعني ان اللغة لا تستطيع ان تستوعب الفكر او تحتويه ، ومن ثــــمّ فهي
عاجزة عن التبليغ او التعبير عن هذا الفكر .
1- ب - مسلمات الاطروحة : الفكر أسبق من اللغة و أوسع منها ، بحيث ان الانسان يفكر بعقله قبل ان يعبر بلسانه .
1-
ج – الحجة : كثيرا ما يشعر الانسان بسيل من الخواطر والافكار تتزاحم في
ذهنه ، لكنه يعجز عن التعبير عنها ، لانه لا يجد الا الفاظا محدودة لا تكفي
لبيانها ، وعلى هذا الاساس كانت اللغة عاجزة عن إبراز المعاني المتولدة عن
الفكر ابرزا تاما وكاملا ، يقول أبو حيان التوحيدي : " ليس في قوة اللغة
ان تملك المعاني " ويقول برغسون : " اننا نملك افكارا اكثر مما نملك اصواتا
"
- اللغة وُضعت اصلا للتعبير عما تواضع او اصطلح عليه المجتمع بهدف
تحقيق التواصل وتبادل المنافع ، وبالتالي فهي لا تعبر الا على ما تعارف
عليه الناس ( أي الناحية الاجتماعية للفكر ) ، ويبقى داخل كل فرد جوانب
عميقة خاصة وذاتية من عواطف ومشاعر لا يستطيع التعبير عنها ، لذلك كانت
اللغة عاجزة عن نقل ما نشعر به للآخرين ، يقول فاليري : أجمل الافكار ، تلك
التي لا نستطيع التعبير عنها .
- إبتكار الانسان لوسائل التعبير بديلة عن اللغة كالرسم و الموسيقى ما يثبت عجز اللغة عن استيعاب الفكر و التعبير عنه .
2-
تدعيم الاطروحة بحجج شخصية ( شكلا ومضمونا ) : تثبت التجربة الذاتية التي
يعيشها كل انسان ، أننا كثيرا ما نعجز عن التعبير عن كل مشاعرنا وخواطرنا
وافكارنا ، فنتوقف اثناء الحديث او الكتابة بحثا عن كلمة مناسبة لفكرة
معينة ، أو نكرر القول : " يعجز اللسان عن التعبير " ، او نلجأ الى الدموع
للتعبير عن انفعالاتنا ( كحالات الفرح الشديد ) ، ولو ذهبنا الى بلد اجنبي
لا نتقن لغته ، فإن ذلك يعيق تبليغ افكارنا ، مما يثبت عدم وجود تناسب بين
الفهم والتبليغ .
3- أ – عرض منطق خصوم الاطروحة : يرى انصار الاتجاه
الاحادي ، أن هناك اتصال ووحدة بين الفكر واللغة ، وهما بمثابة وجهي العملة
النقدية غير القابلة للتجزئة ، فاللغة والفكر شيئا واحدا ، بحيث لا توجد
افكار بدون الفاظ تعبر عنها ، كما انه لا وجود لالفاظ لا تحمل أي فكرة او
معنى . وعليه كانت اللغة فكر ناطق والفكر لغة صامتة ، على الاعتبار ان
الانسان بشكل عام يفكر بلغته ويتكلم بفكره . كما أثبت علم النفس ان الطفل
يولد صفحة بيضاء خالية من أي افكار و يبدأ في اكتسابها بموازاة مع تعلمه
اللغة . وأخيرا ، فإن العجز التي توصف به اللغة قد لا يعود الى اللغة في حد
ذاتها ، بل الى مستعملها الذي قد يكون فاقدا لثروة لغوية تمكنه من التعبير
عن افكاره .
3- ب – نقد منطقهم : لكن ورغم ذلك ، فإن الانسان يشعر بعدم
مسايرة اللغة للفكر ، فالادباء مثلا رغم امتلاكهم لثروة لغوية يعانون من
مشكلة في التبليغ ، وعلى مستوى الواقع يشعر أغلب الناس بعدم التناسب بين
الفكر واللغة .
III- حل المشكلة : وهكذا يتضح ان هناك شبه انفصال بين
اللغة والفكر ، باعتبار ان الفكر اسبق واوسع من اللغة ، وان اللغة تقوم
بدور سلبي بالنسبة له ، فهي تعيقه وتفقده حيويته ، مما يعني ان الاطروحة
القائلة : " أن اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه " اطروحة صحيحة .