دور المرأة في الدفاع عن النبي
أكرم كساب**
لقد كانت الإساءة التي تعرض لها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم قاصمة للظهر حقا؛ لكنها جعلت الناس كل الناس بأطيافهم المختلفة عربًا وعجمًا، ملتزمين وغير ملتزمين، قوميين وغير قوميين، سنة وشيعة، رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا، شيبًا وشبابًا، يتفاعلون مع هذا الأمر، وأظهرت المرأة المسلمة في هذه المحنة أنها ليست أقل دفاعًا عن الرجل وبخاصة إذا كان هذا الدفاع عن الحبيب المصطفى.
وكم كان لافتًا للنظر أن تخرج في باكستان على سبيل المثال مظاهرة نسائية يزيد عددها عن 20 ألف امرأة، لم يكن لها هدف سوى أن تندد بالجرائم البشعة التي جاءت بها الصحيفتان الدانمركية والنرويجية.
إن هذه الصورة المشرقة التي أظهرتها المرأة المسلمة بإقامة المؤتمرات، وتنظيم الندوات، وحضور المسيرات، وتسير المظاهرات، لدليل قاطع على أن لها دورًا فعالا في معترك الحياة، وأنها مكملة للرجل كما أنها شقيقة له، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "النساء شقائق الرجال" (1).
إن موجة الغضب التي ضربت الشوارع الإسلامية، أظهرت أن المرأة ليست بعيدة عن ميادين الدعوة المختلفة، فهي كالرجل تماما بتمام تدعو وتجاهد، وتعلم وتدافع، وتوجه وتناصر، وتقوم وتناضل، وقد يكون نضالها حقيقة، وقد يكون ذلك بالمؤازرة للرجل تارة أخرى، وسأذكر في عجالة بعض مواقف المرأة التي سجلها لها التاريخ وهي تذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسماء بنت يزيد ترفع الراية:
ولقد عبرت عن ذلك إحدى نساء بني عبد الأشهل وهي: أسماء بنت يزيد الأنصارية التي أتت النبي وهو بين أصحابة فقالت: "بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك، أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل ما رأى، أن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فُضلتم علينا بالجمعة والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله.
وإن الرجل منكم إذا خرج حاجًا أو معتمرًا ومرابطًا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابا وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟.
فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن المرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء: أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته تعدل ذلك كله. قال: فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا" (2).
خديجة تبدأ الطريق:
ولعل أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها هي التي بدأت بحمل هذه الراية في لحظات الوحي الأولى حين أتاها النبي صلى الله عليه وسلم من غار حراء وقد أصابه ما أصابه من الروع، ووقع ما وقع به من الخوف والهلع، وقال لها: "أي خديجة ما لي؟ لقد خشيت على نفسي. قالت: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضعيف، وتعين على نوائب الحق" (3).
لقد وقفت خديجة أول مواقف المؤازرة على الإطلاق في حياة الدعوة والداعية. وقفت رضي الله عنها تشد من أزره صلى الله عليه وسلم في ساعات الوحي الأولى، وتثبت قدمه على الطريق، وكم كانت فطنة هذه المرأة الجليلة حين أدركت بفراستها، وحسن استنباطها، وجميل ربطها للأشياء بعضها ببعض أن شخصًا كشخص رسول الله لا يخزى أبدًا.
ويعلق على ذلك الأستاذ محمد الصادق عرجون بقوله: "لقد كانت خديجة موقنة بأن زوجها فيه من خصال الجبلة الكمالية، ومحاسن الأخلاق الرصينة، وفضائل الشيم المرضية، وأشرف الشمائل العلية، وأكمل النجائز الإنسانية ما يضمن له الفوز، ويحقق له النجاح والفلاح، فقد استدلت بكلماتها العميقة على الكمال المحمدي" (4).
ولهذا استحقت خديجة الوفاء كل الوفاء من المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد نالت جزاء هذا في حياتها وبعد مماتها، فعن أبي هريرة قال: "أتى جبريل النبي فقال: "يا رسول الله، هذه خديجة أتتك ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها عز وجل، ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب (5) لا صخب (6) فيه ولا نصب (7)" (
.
فاطمة تخطو خطوات أمها:
وجاءت فاطمة بنت محمد تخطو خطوات أمها وتسلك طريقها، والأصل إذا طاب طاب الفرع. ولهذا رأيناها رضي الله عنها تقف مدافعة عن أبيها، يقول ابن مسعود: "بينما رسول الله قائم يصلي عند الكعبة، وجمع قريش في مجالسهم، إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي، أيكم يقوم إلى جزور آل فلان، فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها، فيجيء به، ثم يمهله، حتى إذا سجد، وضعه بين كتفيه؟.
فانبعث أشقاهم، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت النبي ساجدًا، فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك، فانطلق منطلق إلى فاطمة عليها السلام وهي جويرية فأقبلت تسعى، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا، حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم..." (9).
أم جميل بنت الخطاب على الطريق:
ولم تكن أم جميل بنت الخطاب في بدايات الدعوة بأقل دفاعًا أو أقل حبًا كذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا لما وقف الصديق يخطب في قريش، وكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله، وناله ما ناله من أذى المشركين، وأراد أن يطمئن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أرسل أمه إلى أم جميل وقالت أمه لها: "إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله فقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك؟ قالت: نعم. فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعًا دنفًا.(10).
فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت: والله إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، قال: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هذه أمك تسمع. قال: فلا شيء عليك منها. قالت: سالم صالح.
قال: أين هو؟ قالت: في دار ابن الأرقم. قال: فإن لله علي أن لا أذوق طعامًا ولا أشرب شرابًا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأمهلتا حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما" (11).
فانظر كيف خافت أم جميل على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف أنكرت لأم أبي بكر معرفتها برسول أولاً، ثم خافت أن تعلم بمكانه ثانيًا في دار الرقم حتى طمأنها الصديق رضي الله عنه.
أول شهيدة في الإسلام:
وجاءت سمية أم عمار لتضرب مثالا رائعا في حب النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه لتحوز على الشهادة في سبيل الله وتكون أول شهيدة في الإسلام.
ولما كانت بيعة العقبة الثانية لم تشأ النساء أن تخلو البيعة منهن؛ فحضرت البيعة امرأتان وهما: نسيبة وأسماء، لتشهدا هذه البيعة التي كان من بنودها "أن يمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يمنعوا منه أنفسهم وأزواجهم وأبنائهم..."(12).
وجاءت أحدات الهجرة، ولم تكن المرأة بمعزل عنها، بل كان لها دورها الفعال، ونالت من الأدوار ما يسجل لها بماء الذهب في صفحات التاريخ، وكانت صاحبة هذا الدور هي ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، تقول أختها عائشة رضي الله عنها وهي تتحدث عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر: "فجهزناهما أحث الجهاز، ووضعنا لهم سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين" (13).
وذكر ابن هشام أن المشركين لما لم يحصلوا من علي على جدوى جاءوا إلى بيت أبي بكر، وقرعوا بابه، فخرجت إليهم أسماء بنت أبي بكر فقالوا لها: "أين أبوك؟ قالت: لا أدري والله أين أبي، فرفع أبو جهل يده وكان فاحشًا خبيثًا فلطم خدها لطمة خرج منها قرطها" (14).
فكم تساوى هذه اللطمة عند الله؟ إنها تساوي الكثير والكثير ويكفي أسماء فخرًا أن تكون اللطمة لله ولرسوله، ودفاعًا عن الله ورسوله، وذودًا عن عبد الله ورسوله.
أم أيوب تضحي بلحافها:
ولما تمت الهجرة المباركة، ووقع الاختيار الإلهي على أبي أيوب الأنصاري ليكون المستضيف لخير الضيفان، كانت أم أيوب شريكة لزوجها أبي أيوب في كل فضل ناله، أو شرف حازه، يقول أبو أيوب: لما نزل علي رسول الله قلت: بأبي أنت وأمي إني أكره أن أكون فوقك وتكون أسفل مني.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرفق بنا أن نكون في السفل لمن يغشانا من الناس، يقول أبو أيوب: فلقد رأيت جرة لنا انكسرت فأهريق ماؤها، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها، ننشف بها الماء فرقا من أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء يؤذيه" (15).
فيا ترى هل هذا الموقف يذكر لأبي أيوب دون أم أيوب، أم تشاركه فيه أم أيوب؟ إن عاقلاً منصفًا لا يستطيع أن ينكر مشاركة أم أيوب لأبي أيوب الفضل، خصوصًا إذا أدركنا كلام أبي أيوب (فقمت أنا وأم أيوب).
رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب:
لم تكن عاتكة بنت عبد المطلب ممن هاجر حتى أيام بدر، ولم يكن في استطاعتها أن تدافع عن ابن أخيها بقليل ولا كثير، ولما شغلها هذا الأمر حتى رأت رؤيا في منامها وكانت هذه الرؤيا قبل خروج قريش إلى بدر وقبل مجيء ضمضم الغفاري إلى قريش.
يقول عروة بن ال**ير: رأت عاتكة بنت عبد المطلب رضي الله عنها فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو الغفاري على قريش بمكة بثلاث ليال رؤيا فأصبحت عاتكة فأعظمتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخي لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني؛ ليدخلن على قومك منها شر وبلاء.
فقال: وما هي؟ فقالت: رأيت فيما يرى النائم أن رجلًا أقبل على بعير له فوقف بالأبطح فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم أرى بعيره دخل به المسجد، واجتمع الناس إليه ثم مثل به بعيره، فإذا هو على رأس الكعبة فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، ثم إن بعيره مثل به على رأس أبي قبيس.
فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، ثم أخذ صخرة فأرسلها من رأس الجبل، فأقبلت تهوي، حتى إذا كانت في أسفل الجبل ارفضت فما بقيت دار من دور قومك ولا بيت إلا دخل فيه بعضها، فقال العباس: والله إن هذه لرؤيا فاكتميها قالت: وأنت فاكتمها لئن بلغت هذه قريشا ليؤذوننا. (16)
وهنا نرى عاتكة بنت عبد المطلب تتفاعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الرؤيا؛ التي خشيت من قصها على غير أخيها العباس، مخافة أن يلحق بهما أو بقرابتهما سوء.
الدور العظيم للمرأة في أحد:
هناك من ينظر لدور المرأة بدونية.. وهذا ما فندته المسلمة بالقول والفعل
وجاءت غزوة أحد بعد بدر بعام واحد يزيد شهرًا واحدًا، ولما استشار النبي أصحابه في لقاء المشركين كان رأي الأغلبية الخروج، وكان رأي النبي صلى الله عليه وسلم مع الأقلية البقاء في داخل المدينة، وكان من تعليلات هذه الرأي: أن يقاتل النساء والأطفال بما يقدرون عليه، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم على رأي الأغلبية.
ولما دارت المعركة وحمي وطيسها واختلطت صيحات الرجال بصهيل الخيول وقعقعة السيوف، لم تلبث المعركة أن أسفرت عن انتصار مؤزر للمسلمين الأشاوس، ولكن غلطة الرماة الفظيعة بدلت الموازين، وغيرت سير المعركة، وهنا برز جليا دور المرأة في الزود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من هؤلاء النسوة:
1- أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية النجارية:
شهدت هذه المرأة بيعة العقبة الثانية، ولم يكن دور أم عمارة في أحد بأقل من دور الرجال؛ بل فاق دورها دور الكثيرين منهم، حتى قال صلى الله عليه وسلم: "ما التفت يمينًا ولا شمالاً يوم أحد إلا ورأيتها تقاتل دوني"(17).
ولما سألتها أم سعد بنت سعد بن الربيع عن يوم أحد قالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين.
فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إلي. قالت أم سعد: فرأيت على عاتقها جرحًا أجوف له غور فقلت لها: من أصابك بهذا قالت: ابن قمئة أقمأه الله، لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول: دلوني على محمد لا نجوت إن نجا. فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كانت عليه درعان (18).
وقد استحقت الدعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ولأهل بيتها حيث قال: "بارك الله فيكم أهل البيت" (19).
ولم تترك نسيبة هذه الفرصة دون أن تزداد من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لذا أسرعت قائلة له: ادع الله أن نرافقك في الجنة. فقال: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة (20).
2- المرأة الدينارية:
وضربت امرأة من بني دينار مثلا رائعا في تقديم النبي صلى الله عليه وسلم على كل ما تحب، وطبقت بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" (21).
3- كبشة بنت عبيد الخزرجية:
وهذه أم سعد بن معاذ تبرهن على فدائها لرسول الله صلى الله عليه وسلم برهانًا عمليًا، وتؤكد هي الأخرى على ما أقدمت عليه المرأة الدينارية، ذكر الواقدي في مغازيه قال: "خرجت أم سعد بن معاذ تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد: يا رسول الله، أمي، فقال صلى الله عليه وسلم: مرحبًا بها.
فدنت حتى تأملت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "أما إذا رأيتك سالما فقد أشوت (22) المصيبة، فعزاها رسول الله بعمرو بن معاذ ابنها، ثم قال: يا أم سعد، أبشري وبشري أهليهم أن قتلاهم قد ترافقوا في الجنة جميعًا، وقد شفعوا في أهليهم. قال: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟!" (23).
4- أم أيمن تسخر من الفارين:
ولما فر من فر من الصحابة في أحد، وأرادوا دخول المدينة لقيهم النساء والأطفال على أبواب المدينة يحثون التراب في وجوههم، وكان مما قالته أم أيمن مولاة رسول الله: هاك المغزل وهلم سيفك.
بل دخلت المعركة بعد ذلك، وشاركت مع نفر من النساء في سقي العطشى، ومداواة الجرحى، وتعرضت رضي الله عنها لنبال المشركين، واستحقت أن ينتقم لها سعد بن أبي وقاص.
عن سعد بن أبي وقاص قال: "كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سعد ارم فداك أبي وأمي، قال: فنزعت بسهم ليس فيه نصل فأصبت جنبه، فوقع وانكشفت عورته، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى نظرت إلى نواجذه" (24).
وسمى الواقدي في روايته أن من ضرب أم أيمن حبان بن العرقة. وزاد أنه رمى بسهم فأصاب ذيل أم أيمن وكانت جاءت تسقي الجرحى فضحك منها، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد سهمًا فوقع السهم في نحر حبان فوقع مستلقيًا وبدت عورته فضحك رسول اللهr وقال: "استقاد لها سعد" (25).
البخاري يؤصل ويبوب للنساء:
وجاء الإمام البخاري رحمه الله ليؤصل لهذا الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بكل أنواعه، ولم يكن صحيحه خاليًا من ضرب الأمثلة على هذا الحب الصادق والدفاع المميت، ولهذا رأيناه يبوب في كتابه الجهاد والسير بهذه العناوين:
1. باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء.
2. باب جهاد النساء.
3. باب غزو المرأة في البحر.
4. باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض النساء.
5. باب غزاة النساء وقتالهن مع الرجال.
6. باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو.
7. باب فداء النساء الجرحى في الغزو.
8. باب رد النساء الجرحى والقتلى.
هذه صور رائعة، ونماذج مشرقة، ومواقف خالدة سجلتها المرأة المسلمة في عصر النبوة، وما ذكرته هنا غيض من فيض، وقطرة من بحر، وقليل من كثير، والعهد بالمرأة كذلك في كل وقت وحين، وهو الظن بها دائمًا في كل موقف يحتاج لنصرتها ويتطلب جهدها.