السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ارجوا من كل واحد منا اعادة قراءة هذه الاية عدة مرات واستشعار و تدبر معناها
قال الله تعالى في سورة النساء *ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم و آمنتم و كان الله شاكرا عليما* الآية 147 .
هي آية استفهامية بمعنى التقرير للمنافقين. أي ما هي المنفعة من تعذيبكم إن شكرتم وآمنتم
فنبه الله سبحانه و تعالى أنه لا يعذب الشاكر المؤمن، وأن تعذيبه عباده لا
يزيد في ملكه، وتركه عقوبتهم على فعلهم لا ينقص من سلطانه شيء .
وقال أحد الصالحين : أربع من كن فيه كن له، وثلاث من كن فيه كن عليه؛
فالأربع اللاتي له: "فالشكر والإيمان والدعاء والاستغفار، قال الله
تعالى{ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} وقال الله تعالى{وما
كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}الأنفال:
33] وقال تعالى{قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم}الفرقان: 77].
وأما الثلاث اللاتي عليه: فالمكر والبغي والنكث؛ {فمن نكث فإنما ينكث
على نفسه}الفتح: 10].وقال تعالى{ولا يحيق المكر السيئ إلا
بأهله}فاطر: 43] وقال تعالى{إنما بغيكم على أنفسكم}يونس:
23]. }وكان الله شاكرا عليما} أي يشكر عباده على طاعته. ومعنى
}يشكرهم} يثيبهم؛ فيتقبل العمل القليل ويعطي عليه الثواب الجزيل، وذلك
شكر منه على عبادته. والله أعلم.
و أود كذلك إدراج الشرح الوافي و الرائع لهذه الآية لشيخنا لفضيلة الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي حيث يقول/
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ في سورة النساء الآية السابعة والأربعون بعد المئة ، يقول سبحانه و تعالى :
كيف يتوقف عذاب الله عز وجل ؟ عن كل إنسان ، آمن به وشكره ، هذا الجواب أيها الإخوة .
هذا الكون بسماواته وأرضه ، مسخر للإنسان تسخرين ؛ تسخير تعريف .... وتسخير تكريم ....
أضرب لكم مثلاً ، لو أن لك صديقاً مهندساً في الإلكترون ، قدّم لك جهاز
هاتف من أعلى مستوى ، قدمه لك هديةً ، وهذا الجهاز نادر ، ويؤدِّي خدمات
كثيرة ، ينوب مناب إنسان ، أنت أمام هذه الهدية العالية مستواها ، أمام
شعورين ؛ شعور امتنان لأن هذا الجهاز قدم لك هدية ، وشعور إكبار لهذا العلم
الدقيق الذي وراء هذا الجهاز .
هذا معنى قولي ... تسخير تعريف ... وتسخير تكريم ...
فالكون له مهمتان ؟
المهمة الأولى أن تتعرف إلى الله من خلاله .
والمهمة الثانية أن تنتفع به .
رد فعل التعرف ، إيمان ، ورد فعل الانتفاع ، الشكر .
فإذا آمنت وشكرت ، فقد حققت الهدف من وجودك ، وحينما تحقق الهدف من وجودك يتوقف العلاج الإلهي .
"ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وأمنتم " .
أنت متى تتيقن ، أن كل أنواع المعالجات ، والمضايقات ، والشدائد ، والمصائب ، تتوقف ضدّك ! حينما تحقق الهدف من وجودك .
إنَّ الأب الذي يتمنى لابنه أن يكون طبيباً ، يضيِّق عليه ، يشدِّد عليه ،
متى يتوقف التضييق والتشديد ؟ إذا دخل كلية الطب ، ونال علاماتٍ عالية ،
فقدْ حقق الهدف من تخطيط الأب ، لذلك متى يتوقف العلاج ؟ متى يتوقف التشديد
؟ التعقيب ؟ المضايقة ؟ الإلجاء ؟ الهم ؟ الحزن ؟
حينما يحقق الإنسان الهدف من وجوده ، وهذه آيةٌ دقيقةٌ .
الله سبحانه وتعالى لا يعذب عباده إلا لهدف كبير ، لأنّ الشر المطلق لا وجود له في الكون .
مثلاً أب طبيب جراح ، وله ابن يتمتع بصحة جيدة ، فهل يضعه على منصة التشريح ، ويخدره ويفتح بطنه بلا سبب ؟ مستحيل .
أبٌ طبيبٌ جراح ، قلت : أب لأن في قلبه رحمة لا حدود لها تجاه ابنه ، وقلت :
طبيب لأنه يعلم وهو جراح أيضًا ، أيضع ابنه على المشرحة ، ويفتح بطنه بلا
سبب ؟ أما إذا رأيت أباً يفتح بطن ابنه ، فالمعنى أنّه يعاني من التهاب
زائدة .
" ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليما ".
يعني إذا أردت أن يتوقف العلاج الإلهي ، والشدة الإلهية ، فعليك بتحقيق
الهدف من وجودك ، وتحقيق الهدف من وجودك في هذه الآية ، يتمثل بإيمانك
بالله ، كرد فعلٍ على أن الكون مسخرٌ لك تسخير تعريف ، وبشكره كرد فعلٍ على
أن هذا الكون مسخر لك تسخير تكريم ، والله عز وجل يقول : "وسخر لكم ما في
السموات وما في الأرض جميعاً منه "
( سورة الجاثية : 13 )
بنص القرآن الكريم .
أيها الإخوة ؛ رأى النبيُّ عليه الصلاة والسلام – مما يؤكد هذا المعنى –
مرةً هلالاً فقال: هلال خيرٍ ورشد ، هلال خيرٍ ورشد ، يعني هذا الهلال
يرشدني إلى الله ، وأنتفع به في عد الأيام والأسابيع ،
"لتعلموا عدد السنين والحساب ".
( سورة يونس : 5 )
الآن مرحلة ثانية : أية مهمةٍ أعظم ، أن تهتدي بالكون ، أم أن تنتفع به ؟
الحقيقة الأجانب الغربيون ، انتفعوا بالكون أشد الانتفاع ، يعني ما من أمةٍ
وصلت إلى أعماق البحار ، وصلت إلى الأقمار ، استغلت المناجم ، الفلزات ،
المعادن ، كل شيء مستخدم ومسخر إلى أعلى درجة ، وقد أثبت الله لكم ذلك :
"يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ".
( سورة الروم : 7 )
لكن مهمة الكون لتعريفك بالله ، أعظم مليون مرة من مهمة الكون في الانتفاع به .
لو كان دخلك محدودًا ، حيث لا يسمح لك أن تأكل العسل ، وأمسكت كتاباً عن
النحل ، وقرأت عن عجائب النحل ، كيف أن كل كيلو عسل ، محصلة طيران أربعمئة
ألف كيلو متر ، لو أننا كلفنا نحلةً واحدة ، أن تصنع لنا كيلو عسل ،
لاحتاجت أن تطير حول الأرض عشر مرات ، وأن هذه النحلة ، فيها أجهزة لا
يعلمها إلى الله ، لا تقف على زهرةٍ امْتُصَّ رحيقُها ، توفيراً لوقتها
وجهدها ، أكرِّر : لا تقف على زهرةٍ امتص رحيقها ، وأن النحلات العاملات
ترقص رقصاتٍ ، تُعلم بقية النحلات العاملات ، كم هي المسافة بينهم وبين
الأزهار ، هناك بحث قائم بذاته اسمه "رقص النحل" ، والشيء الذي لا يصدق
أنها تصنع هذا الشمع ، بشكل سداسي منتظم ، ليس فيه فراغات بينية ، هناك
ملكة ، وهناك ذكور ، وهناك عاملات ، بعض العاملات وصيفات للملكة ، يأتين
بغذاءٍ ملكيٍّ خاص ، مأخوذٍ من غبار الطلع ، وبعض العاملات تنظف الخلية ،
فإذا وجدنَ فيها حشرةً كبيرةً ، يغلفنها بطبقة شمع حتى لا تؤذي وتتفسخ ،
وبعض العاملات تُهوِّي هذه الخلية ، وبعض العاملات تحمل ، والموضوع طويل
الذيل ، وقد أُلِّفتْ كتب كثيرة حول النحل وطريقة عمله وأسلوب حياته .
فلو أن إنساناً قرأ كتاباً عن النحل ، فخشع قلبه ، وانهمرت عيناه ، ولم
يسمح له دخلُه أن يأكل لعقة عسلٍ واحدة ، بينما إنسان آخر كاد ينفزر من أكل
العسل ، من الذي حقق الهدف من وجود النحل والعسل ؟ هو الذي عرف الله من
خلال هذه الآيات .
لذلك أن تعرف الله من خلال الكون أعظمُ بكثير من أن تنتفع به ، كل أهل
الدنيا انتفعوا بالكون ، الكفار ، الملحدون ، ما من إنسان إلا وينتفع
بالكون ، لكن المؤمن وحده ، هو الذي يهتدي بالكون إلى الله ، هو الذي يعبر
بالكون إلى المكون ، من النظام إلى المنظم ، من التسيير إلى المسير ، من
التربية إلى المربِّي ، من النعمة إلى المُنعم .
فيا أيها الإخوة الأكارم ؛ يجب أن نعلم أنّ كأس الماء ، كأس الحليب ، رغيف
الخبز ، قطعة الجبن ، البرتقالة ، التفاحة ، ابنك الذي أمامك ، الفراش الذي
تنام عليه ، اللحاف الذي تتدثر به ، ثيابك التي تلبسها ، الشمس والقمر ،
الليل والنهار ، البحار ، الأسماك ، الأطيار ، كل شيءٍ حولك يدل على الله ،
فحينما لا تُعمل فكرك في الكون ، فقد عطلت أكبر شيئاً فيك ، وهو أنه دليلك
إلى الله عز وجل ، أما إذا انتفعت منه فقط ، فشأنُك شأنُ أهل الدنيا الذين
ينتفعون بالكون ، الكفار ينتفعون بالكون ، الملحدون ينتفعون بالكون ،
الانتفاع بالماء والهواء ، والزراعة ، والصناعة ، كل إنسان ينتفع بالكون .
النبي الكريم يقول : هلال خيرٍ ورشد .
تنتفع به ، لكن ينبغي أن تهتدي به أيضاً ، فالإنسان إذا أكل شيئًا ، أو شرب
شيئًا ، أو نام ، فالنوم والأكل والشرب نعمة ، وإذا نظر فالنظر نعمة ، إذا
استمع فالاستماع نعمة ، إذا تكلم فالتكلم نعمة .
يأكل وينام ، هناك أجهزة معقدة أيّما تعقيد ، عملية هضم معقدة ، البنكرياس
والكبد ، والصفراء ، والحركة المعوية ، والعصارات الهاضمة .
الإنسان إذا لم يفكر في تكوين جسمه ، لا ينتفع بعقله ، لذلك هذه الآية من أدق الآيات .
"ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً ".
حينما تؤمن ، وحينما تشكر ، فإيمانك ردُّ فعل أن الكون مسخر تسخيرَ تعريف ،
وشكرك ردٌ على أن الكون ، مسخر تسخير تكريم ، فإذا آمنت وشكرت ، توقف
العلاج الإلهي .
قال الله تعالى : "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ".
هل أدركنا لماذا إن شكرتم وآمنتم ، فلِمَ لمْ يقل الله عز وجل إن شكرتم وصبرتم ، إن شكرتم وأطعتم ؟ بل قال : إن شكرتم وآمنتم .
لأن الشكر دليلٌ أنك تأثرت بهذا الكون الذي سخر لك تسخير تكريم والإيمان
دليل ... أنك تأثرت بهذا الكون الذي سخر لك تسخير تعريف ، فإذا آمنت وشكرت ،
ما يفعل الله بعذابك ؟
هذه الآيات الكريمة أيها الإخوة : مرةً ثانية وثالثة ، يقول عليه الصلاة والسلام : بلغوا عني ولو آية "، أجل ولو آية .
أنا أعطي آية واحدة خلال الدرس ، لا أضيف آية ثانية ، فإذا استوعب الإنسان
معناها وعقل الغاية منها ، وحدثها بها زوجتَه ، أولاده ، جيرانه ، شركائه ،
فما منا أحد إلا عنده سهرة أو سهرتان في الأسبوع ؟ لقاء ، لقاءان ، هل منا
أحد بلا عمل ؟ أماله أصدقاء ، جيران ، " بلغوا عني ولو آية" ، هكذا قال
عليه الصلاة والسلام ، وإذا ما تذكرت معناها في شريط مسجل ، وشرحت هذا
المعنى لجلسائك فقد بلغتَ غاية كبرى ، فلذلك نأخذ القرآنَ آية ، آية ، نحن
نمشي في القرآن بالتسلسل ، إن شاء الله ، فكلما حان وقتُ درس جديد ، نختار
آية من هذه الآيات الأساسية ، التي تعد ركناً من أركان الإيمان ، ونعالجها
حتى نقطف ثمراتها .
والحمد لله رب العالمين
انتهى كلام فضيلة الدكتور النابلسي
فاللهم لك الحمد و الشكر كما ينبغي لجلال و جهك و عظيم سلطانك
و اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طييبا مباركا فيه
فاللهم يسر لنا دخول جنتك برحمتك ياأرحم الراحمين
اللهم صلي على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم
انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و
على آل إبراهيم انك حميد مجيد
-و الحمد لله رب العالمين-