هل يسبب الانفعال والتوتر أعراضاً مرضية عضوية تؤثر على جهاز المناعة ؟ كان هذا هو موضوع البحث الذى نشره
د.«ستيفين ماير» أستاذ علم النفس فى جامعة «كلورادو»، فالعلاقة التبادلية بين خلايا المخ وخلايا الجهاز المناعى،
تجعل كل ما يؤثر بالسلب على مناعة الإنسان، يؤثر أيضاً على سلوك ومزاج الإنسان، وربما كان مثالاً لذلك هو زيادة
نسبة حدوث الأمراض النفسية والعصبية على اختلاف أنواعها فى الأماكن التى يزداد فيها التعرض لهذه النسب العالية
من التلوث البيئى، مما يؤثر على جهاز المناعة، ويؤثر أيضاً بالسلب على الجهاز العصبى المركزى.
وتناول «ماير» قى بحثه رد فعل الجسم والجهاز المناعى الأول عند التعرض لشىء يهين الجهاز المناعى ويهاجمه مثل
العدوى مثلاً، وماذا يحدث فى الساعات الأولى من التعرض لها، قبل أن تخرج الخلايا المتخصصة والأجسام المضادة
لمواجهة العدو، فالبحث ينصب أساساً على رد الفعل الذى يحدث عندما تضرب صافرات الإنذار من رادار الجهاز
المناعى معلنة وجود خطر أو هجوم خارجى من عدو، يريد أن يعتدى على الجسم، ولكنه لا يشمل الأسلحة المتخصصة
التى سوف يتم الرد بها على هذا المعتدى، وهو ما يطلق عليه فى المناعة Nonspecific Immune
Response أما رد فعل المتخصص فيأتى فيما بعد عندما تصل المعلومات إلى مركز القيادة، وتبدأ فى الرد من خلال
الجناح الخلوى من خلال الخلايا التائية، وقذائف المدفعية من خلال الخلايا البائية، وباستخدام الحرب الكيماوية للتصدى
للسموم والكيماويات التى يحاول العدو غزو حصون الجسم من خلالها.
وربما شعر الكثيرون منا برد الفعل الأولى للجهاز المناعى فى الساعات الأولى من التعرض للعدوى بالبرد أو الأنفلونزا
مثلاً، والتى تبدأ بما يسمى برد الفعل المرضى Sickness Response، وهو عبارة عن مجموعة من الأعراض
التى تكون بمثابة صافرة الإنذار للجسم، التى تعلن عن غزو كائن غريب ينبغى التصدى له، وتشمل هذه الأعراض تغيراً
فى المزاج وفى الحالة النفسية للإنسان، وظهور بعض الأعراض المرضية مثل ارتفاع درجة الحرارة، واضطراب
التمثيل الغذائى فى الكبد، وانسداد الشهية عن الأكل والشرب وانخفاض الرغبة والنشاط الجنسى، وزيادة التوتر والتعب
لأقل مجهود، مع زيادة إفراز هرمونات الانفعال مثل الكورتيزول والأدرينالين وغيرهما.
والهدف من كل هذه الأعراض السابقة- إلى جانب الإعلان عن الخطر- هو توفير الطاقة اللازمة للحرب من أجل
مواجهة المعتدى، وتوفير أكبر قدر من الطاقة التى تستنفدها سلوكيات الإنسان عندما يكون طبيعياً، ولا يتعرض لأى
خطر، ومن الملاحظ أن كل هذه الأعراض التى تعتبر وسائل دفاعية عن الجسم عند تعرض الجهاز المناعى للعدوى،
تصدر من المخ، وبالذات من منطقة ما تحت المهاد المسماة «هيبوثلاموس»، لذلك فمن المنطقى أن يتبادر إلى الذهن
سؤال وهو: كيف يعلم المخ بوجود كائن غريب يهدد الجهاز المناعى؟******