كان التعب و الإرهاق يسيطر عليه؛ بل كان غير قادر على الوقوف .جلس يتذكر تلك الأيام المؤلمة رغم مرور الشهور .
حينها كان على مكتبه ينهي أعماله وأحس فجأة بذلك الألم الشديد الذي اعتاد عليه قبلاً ولم يكترث له فقد كان يشعر به لثوانً ليختفي بعدها ولكنه في ذلك اليوم اشتدت عليه مجددا .حاول تجاهله في البداية ولكنه ظل يشتد أكثر و أكثر فضم كلتا يديه إلى صدره من شدة الألم .
بعد دقائق كانت بالنسبه له كساعات طويلة ،خف ألمه و رمى برأسه على سطح المكتب يلتقط أنفاسه المتقاطعة بصعوبة.
شعر حينها بقلق شديد ،و وسط حيرته وقلقه رن هاتفه
فمد يديه بصعوبة وهي ترتجف و أجاب بصوت متقطع:
-أهلا أحمد كيف حالك ؟
-أهلا بدر ، ما به صوتك ؟
-لا شيء ذلك الألم قد عاودني من جديد.
- هل راجعت الطبيب ؟
-لا .
-لقد نصحناك كثيرا بمراجعته ولكنك عنيد كعادتك.
-لا تقلق فقد زال الآن.
-كيف لا أقلق انتظر سآتيك حالا .
خرج أحمد مسرعاً و القلق يسيطر عليه وحين وصل وجد بدر شاحب الوجه من شدة الألم وبعد محاولات عدة استطاع إقناعه
والذهاب لمراجعة الطبيب وإجراء الفحوصات و التحاليل اللازمة .
بعد أيام ظهرت النتائج .
كان التوتر و الخوف يسيطر على وجهه فقد كان يشعر بما هو قادم
خرج الطبيب يحمل بيده ملف النتائج و سأله:
-منذ متى والألم يشتد عليك؟
بدر : منذ فترة ولكني لم أكترث لأنه يأتي لثوان و يختفي.
الطبيب : ولمَ لم تراجع طبيباً؟
بدر : اعتقدت أن الأمر لا يستحق المراجعة. لمَ كل هذه الأسئلة؟ أخبرني ما الأمر وما هي نتائج التحاليل فكلامك زاد من توتري.
الطبيب : للأسف إنك مريض بمرض يصعب علاجه الآن فقد سيطر على جسدك بالكامل لتأخرك في العلاج
وربما لم يتبقَ لك إلا بضعة أشهر .
رغم أنه كان يتوقع ما سيحدث بل كان يشعر به؛ إلا أن الخبر كان عليه مثل الصاعقة .
لم يصدق نفسه وأحس بالأرض تهتز من تحته و صرخ صديقه فزعا: ماذا تقول أيها الطبيب؟ أأنتم متأكدون من هذه النتائج؟
رد عليه بدر وهو يرسم ابتسامة يملؤها الحزن :اهدأ يا صديقي . إنها مشيئة الله و أنا راضٍ بما كتبه الله لي.
و في هذه اللحظة ضمه أحمد بشدة و هو يبكي كالأطفال .
بعد تذكره لتلك اللحظات الحزينة لم يستطع منع نفسه من البكاء فنزلت دموعه على خديه ؛لكنه أحس بيدٍ تحط على وجهه ليجد حبيبته أحلام بجانبه تمسح دموعه قائلة له: لا تبكِ يا حبيبي فأنا بجانبك .
كانت حبه الأول والأخير . فبعد علمه بمرضه قرر الوصول إليها بأي طريقة و البقاء معها
ليحقق رغبته و أمنيته في الموت على صدرها مهما كلفه الأمر.
كان يحبها بجنون. كانت ملاكه على الأرض بحث عنها كثيراً ولم يكن يتصور بأن القدر سيكون قاسياً عليه وأن هناك ضربة قاسية و مميتة ستوجه له في صميم فؤاده لتحرمه من حبه الذي انتظره طوال حياته .
ابتسم لها قائلاً :حبيبتي هل لكِ أن تضميني إليك فمدت يديها الباردتين و طوقته بهما وضمته إليها و التصقت به أكثر فأكثر
فشعر بها تتلمسه و بجرأة وأحس بأنفاسها ونبضات قلبها ودفء صدرها
فقد أحبها بكل جوارحه أحبها أكثر من روحه .
كانت تلك لحظاته الأخيرة ليغمض عينيه وينزل رأسه فشعرت بثقل كبير على صدرها فأرجعته للخلف و هي تهزه بدر بدر أأنت بخير؟ أجبني حبيبي
فتح بدر عينيه بصعوبة
محاولاً جمع ما تبقى له من قوة ليخبرها بصوت خفيف وابتسامه صغيرة :حبيبتي أحلام لا تقلقي أنا بخير .
نزلت الدموع من عينيها بغزارة وضمته إليها بقوة
حينها أغمض بدر عينيه للمرة الأخيرة لتسقط يده ويلفظ أنفاسه الأخيرة وهو بين أحضانها .
لقد مات ..
لم يهمه شيء و لم يكن خائفاً من شيء بل كان سعيداً فرحاً. مات و الابتسامه ترتسم على شفتيه لأنه
مات على صدر حبيبته
...............................