المقالة الجدلية الثالثة :
س 3 - يرى باسكال أن كل تهجم على الفلسفة هو في الحقيقة تفلسف .
طرح المشكلة : لم يكن الخلاف الفلاسفة قائما حول ضرورة الفلسفة ما دامت
مرتبطة بتفكير الإنسان ، وإنما كان قائما حول قيمتها والفائدة منها . فإذا
كان هذا النمط من التفكير لا يمد الإنسان بمعارف يقينية و لا يساهم في
تطوره على غرار العلم فما الفائدة منه ؟ وما جدواه؟ وهل يمكن الاستغناء عنه
؟
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة : الفلسفة بحث عقيم لا جدوى منه ، فهي لا تفيد الإنسان في شيء فلا معارف تقدمها و لا حقائق .
الحجج : لأنها مجرد تساؤلات لا تنتهي كثيرا ما تكون متناقضة وتعمل على
التشكيل في بعض المعتقدات مما يفتح الباب لبروز الصراعات الفكرية كما هو
الشأن في علم الكلام .
النقد : لكن هذا الموقف فيه جهل لحقيقة الفلسفة . فهي ليست علما بل وترفض
أن تكون علما حتى تقدم معارف يقينية. وإنما هي تساؤل مستمر في الطبيعة وما
وراءها و في الإنسان وأبعاده ، وقيمتها لا تكمن فيما تقدمه و إنما في
النشاط الفكري الدؤوب الذي تتميز به ، أو ما يسمى بفعل التفلسف .
نقيض الأطروحة : الفلسفة ضرورية ورفضها يعتبر في حد ذاته فلسفة
الحجج : لأن التفلسف مرتبط بتفكير الإنسان والاستغناء عنه يعني الاستغناء
عن التفكير وهذا غير ممكن .ثم إن الذين يشككون في قيمتها مطالبون بتقديم
الأدلة على ذلك ، والرأي و الدليل هو التفلسف بعينه . ثم إن الذين يطعنون
فيها يجهلون حقيقتها ، فالفلسفة كتفكير كثيرا ما ساهم في تغيير أوضاع
الإنسان من خلال البحث عن الأفضل دائما ، فقد تغير وضع المجتمع الفرنسي
مثلا بفضل أفكار جون جاك روسو عن الديمقراطية . وقامت الثورة البلشفية في
روسيا على خلفية أفكار فلسفية لكارل ماركس عن الاشتراكية ، وبتن الولايات
المتحدة الأمريكية سياستها كلها عن أفكار فلسفية لجون ديوي عن البراغماتية .
النقد : لكن الأبحاث الفلسفية مهما كانت فإنها تبقى نظرية بعيدة عن الواقع
الملموس ولا يمكن ترجمتها إلى وسائل مادية مثل ما يعمله العلم .
التركيب : إن قيمة الفلسفة ليست في نتائجها والتي هي متجددة باستمرار لأن
غايتها في الحقيقة مطلقة . وإنما تكمن في الأسئلة التي تطرحها ، و في
ممارسة فعل التفلسف الذي يحرك النشاط الفكري عند الإنسان. وحتى الذين
يشككون في قيمتها مضطرين لاستعمالها من حيث لا يشعرون ، فهو يرفض شيئا وفي
نفس الوقت يستعمله .
حل المشكلة : نعم إن كل رفض للفلسفة هو في حد ذاته تفلسف.