فضيلة العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني : الآن الجماعات الإسلامية المعاصرة مختلفون في طريقة معالجة المشكلة التي يشكوا منها كل الجماعات الإسلامية ، وهي مشكلة الذل الذي ران عليهم ، وكيف السبيل للخلاص منه !؟ هنالك طرق :
• الطريقة الأولى - والمثلى ، التي لا ثاني لها - : وهي التي ندعو المسلمين إليها - دائمًا وأبدًا - وهي : فهم الإسلام فهمًا صحيحًا ، وتطبيقه ، وتربية المسلمين على هذا الإسلام المصفى ؛ تلك هي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ كما ذكرنا - ونذكر دائمًا وأبدًا - حينما بدأ رسول الله بأصحابه ؛ إذ دعاهم للإيمان بالله ورسوله ، وعلمهم أحكام الإسلام وأمرهم بتطبيقها .
وحينما كانوا يشكون إليه ما يصيبهم من ظلم المشركين وتعذيبهم إياهم ! وكان يأمرهم بالصبر ، وأن هذه سنة الله في خلقه ، أن يُحارب الحق بالباطل ، وأن يُحارب المؤمنون بالمشركين .
وهكذا الطريق الأولى لمعالجة هذا الأمر الواقع ؛ وهو العلم النافع والعمل الصالح .
• هناك حركات ودعوات أخرى كلها تلتقي على خلاف الطريقة الأولى والمُثلى - التي لا ثاني لها - وهي : اتركوا الإسلام الآن جانبًا من حيث وجوب فهمه ، ومن حيث وجوب العمل به ! الأمر الآن أهم من هذا الأمر ؛ وهو ـن نجتمع ، وأن نتوحد على محاربة الكفار !
سبحان الله ! كيف يمكن محاربة الكفار من دون سلاح !؟ كل إنسان عنده ذرة من عقل إذا لم يكن لديه سلاح مادي ؛ فهو لا يستطيع أن يحارب عدوه المسلح ليس بسلاح مادي واحد ، بل بأسلحة مادية كثيرة ! فإذا أراد أن يحارب عدوه هذا المسلح ، وهو غير مسلح ؛ ماذا يقال له !؟ أحاربه دون أن تتسلح ، أم تسلح ثم حارب !؟
!الجواب - الذي لا خلاف فيه - : تسلح ثم حارب ، هذا من الناحية المادية .
لكن ؛ من الناحية المعنوية : الأمر أهم بكثير من هذا إذا أردنا أن نحارب الكفار ؛ فسوف لا يمكننا أن نحارب الكفار بأن ندع الإسلام جانبًا ! لأن هذا خلافُ ما أمر الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين في آيات كثيرات ؛ منها قوله تعالى : ( وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) . [ سورة العضر ] .
( إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) : نحن - الآن - بلا شك في خُسر ؛ لماذا !؟
لأننا لم نأخذ بما ذكر الله - عز وجل - من الاستثناء ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) .
نحن - الآن - نقول : آمنا بالله ورسوله ، ولكن حينما ندعو المسلمين المتحزبين والمجتمعين المتكتلين على خلاف دعوة الحق إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة ، يقولون هذا ندعه - الآن - جانبًا ! الأمر أهم هو محاربة الكفار !
فنقول لهم : بسلاح !؟ أو بدون سلاح !؟ ، فالحرب لابد لها من سلاحين :
• السلاح الأول : المعنوي ، وهم يقولون : دعوا السلاح المعنوي جانبًا ، وخذوا بالسلاح المادي ! ثم لا سلاح مادي ؛ ذلك لأن هذا غير مستطاع بالنسبة للأوضاع التي نحكم بها الآن ليس فقط من الكفار الذين يحيطون بنا من كل جانب ، بل من جانب بعض الحكام الذين يحكموننا ! فنحن لا نستطيع - اليوم - رغم أنوفنا : أن نأخذ الاستعداد بالسلاح المادي ؛ هذا لا نستطيعه ، فنقول : نريد أن نحارب بالسلاح المادي ، وهذا لا سبيل إليه !السلاح المعنوي هو الذي بين أيدينا ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) [ محمد : 19 ] . العلم ؛ ثم العمل به في حدود ما نستطيع .
هذا الذي نقوله بكل بساطة متناهية : دعوا هذا جانبًا ! هذا مستطاع ، ونُؤمر بتركه جانبًا ! وذاك غير مستطاع ؛ فنقول : يجب أن نحارب ! وبماذا نحارب !؟ خسرنا السلاحين معًا ، السلاح المعنوي لا يُغني ؛ نقول نؤجله ! لأن هذا ليس وقته وزمانه السلاح المادي لا نستطيعه ؛ فصرنا خرابًا يبابًا ضعفاء في السلاحين : المعنوي و المادي .
وإذا ما رجعنا إلى العهد الأول الأنور ، وهو عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ هل كان عنده سلاح مادي !؟
الجواب : لا ! بماذا إذن كان مفتاح النصر بالسلاح المادي أم بالسلاح المعنوي !؟
الجواب : لا شك أنه كان بالسلاح المعنوي ، وبه بدأت الدعوة في مثل تلك الآية ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) .
إذن العلم بالإسلام قبل كل شيء ثم تطبيق هذا الإسلام في حدود ما نستطيع .
بماذا نبدأ !؟
نبدأ قبل كل شيء بالأهم فالمهم ؛ وبخاصة إذا كان الأهم ميسورًا وهو السلاح المعنوي وهو فهم الإسلام فهمًا صحيحًا ، وتطبيقه تطبيقًا صحيحًا ، ثم السلاح المادي إن كان ميسورًا .
أخيرًا : أقول : ( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) . [ التوبة : 105 ] .
لكن أكرر : إن العمل لا ينفع إلا إذا كان مقرونًا بالعلم النافع ؛ والعلم النافع إنما هو : قال الله ، قال رسوله ، قال الصحابة ؛ كما قال ابن القيم - رحمه الله - :
العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذار من التعطيل و التشبيه
مصيبة العالم الإسلامي - اليوم - أخطر من مصيبة احتلال اليهود لفلسطين ! مشكلة العالم الإسلامي اليوم أنهم ضلوا عن سواء السبيل ، أنهم ما عرفوا الإسلام الذي به تتحقق سعادة الدنيا والآخرة ، وإذا عاش المسلمون في بعض الظروف أذلاء مضطهدين من الكفار والمشركين وقتلوا وصلبوا ثم ماتوا ؛ فلا شك أنهم ماتوا سعداء .
ولو عاشوا في الدنيا أذلاء مضطهدين ! أما من عاش منهم عزيزًا في الدنيا ، وهو بعيد عن فهم الإسلام ، كما أراد الله - عز وجل - ورسوله ؛ فهذا سيموت شقيًا ، وإن عاش سعيدًا في الظاهر .
إذن - بارك الله فيكم - العلاج ( فَفِرُّوا إِلَى اللهِ ) افهموا ما قال الله ، وما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واعملوا بما قال الله ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبهذا أنهي الجواب على ذاك السؤال .
من رسالة : [ إعلام سفهاء الأحلام بأن مقارعة الحكام ليست سبيل الرجوع إلى الإسلام ] ، وأصلها : مفرغ من سلسلة [ الهدى والنور ] .
_________________