لؤي محمد: جثث افتراضية مع روبوتات تتحكم بالإبر من دون وجود مشارط. هذا هو الأسلوب الجديد المختلف عما سبقه بشكل جذري والذي يحمل اسم "التشريح الافتراضي".
قد يتطلب ربط أجزاء مهشمة من جمجمة أياما لكن مع "التشريح الافتراضي" لا يتطلب إجراء كهذا أكثر من ثوان.
وبدأ استخدام هذه الطريقة لأول مرة حين دهس رجل مخمور زوجته خلال إدخال سيارته إلى مرأب بيته بعد عودتهما من حفلة صاخبة في أطراف مدينة بيرن السويسرية. وعند وصول سيارة الإسعاف إلى الموقع كانت الزوجة قد فارقت الحياة.
ادعى الرجل أن ما حدث كان نتيجة لتحريك سيارته إلى الخلف ولم يكن يرى ما يفعله، وهذا ما جعل الشرطة تظن أنه قتل غير متعمد. لكن من باب الاحتياط استشار مسؤولو الشرطة مايكل ثالي مدير معهد طب التشريح الجنائي في جامعة بيرن للحصول على وجهة نظر ثانية.
قام البروفسور ثالي وفريقه بتشريح على المرأة لكن لم يكن من النوع السائد. إذ لم تستخدم فيه اية مشارط. فهو تشريح افتراضي مغاير تماما لما سبقه من طرائق.
فباستخدام الصور المقطعية عبر الكومبيوتر وصور الرنين المغناطيسي تمكن فريق بيرن من تكوين صورة افتراضية بثلاثة أبعاد لجثمان المرأة المدهوسة. كذلك تمكن الفريق من مسح سطح السيارة كي يتمكنوا من تكوين نموذج افتراضي لها بما عليه من طعجات.
وبجمع كل الأدلة المتوفرة في مكان الحادث بما فيها آثار الانزلاق على أرضية الكراج ورقائق الطلاء التي انزاحت عن الجدار مع قطع صغيرة من مصابيح السيارة الخلفية تمكن الفريق بعد جهود مضنية من إعادة إنشاء ما حدث في تلك الليلة.
وحين أتم الفريق عمله أصبح ممكنا إخبار الشرطة أن الرجل رجع بسيارته إلى الخلف مرتين لأن التخريب الذي وقع لا يمكن أن ينتج عن رجوع بالسيارة لمرة واحدة. ففي المرة الأولى كانت المرأة واقفة عند بوابة الكراج فأصيبت ساقاها وذراعاها قبل سقوطها على كرسي بدون ظهر. وفي رجوع السيارة الثاني تم تدمير أعضائها الداخلية وكان قتلها ناجما عن تلك الإصابات. لذلك وجهت ضد الرجل تهمة القتل العمد.
وقال البروفسور ثالي لمراسل صحيفة الاندبندنت اللندنية معلقا: "من المفارقة أن الرجل توفي قبل إجراء المحاكمة لأسباب طبيعية".
وكانت فكرة التشريح الافتراضي قد جاءت في منتصف التسعينات خلال محادثة جرت ما بين سلفه ريتشارد ديرنهوفر وعالم شرطة رفيع حول قضية أثارت اهتماما في سويسرا آنذاك إذا كان عتلة إغلاق التروس قد استخدمت في تهشيم جمجمة الضحية وتوصلا إلى استنتاج أن وجود صورة بثلاثة أبعاد لتلك الجروح ستساعد كثيرا في ربط الإصابات بالآلة التي تسببت في حدوثها.
كانت حجة ثالي وزملائه في إطلاق المشروع هو أن تشريحا خاليا من المشارط سيجنب أقارب المتوفى ما يحمل التشريح من آلام لهم إضافة إلى أنه يقلل من وقوع الخطأ البشري ويسمح بتكوين سجل دائم بثلاثة أبعاد للجثة من دون مسها، وهذا أمر غير قابل للتحقق في التشريح التقليدي الذي يقتضي تدمير أنسجة ولا يمكن تصويره إلا ببعدين.
لكن كيف تم العمل بهذه الطريقة الجديدة؟ في أول شكله كانت عملية التشريح الافتراضي تتطلب مسحا بثلاثة أبعاد للجسم باستخدام كاميرات ستيريو وبروجكتور يرسم نمطا مقلَّما على الجسم. بعد ذلك يبدأ الفريق العامل بزلق الطاولة التي عليها الجسم في جهاز مسح "سي تي" حيث يقوم الأخير بجمع شرائح من أشعة أكس لصور الجسم. وتوضع مؤشرات على البشرة خلال فترة المسح مما يسمح للسطح والداخل بمجاراة أحدهما الآخر. لكن إضافات تكنولوجية متطورة اضيفت لاحقا مثل إضافة جهاز الرنين الصوتي "أم أر آي" وتطوير العمل الأوتوماتيكي بشكل أكبر.
وحاليا يستغرق التشريح الافتراضي وقتا أكثر بقليل من التشريح التقليدي فهو يتم في خلال 90 دقيقة. لكن الوقت الإضافي يعوض عنه بنوعية المعلومات التي يمكن للتشريح الافتراضي أن يقدمها من دون إلحاق أي تخريب للجثة. وقال الدكتور ثالي: "باستخدام هذه التكنولوجيا معا نحن نستطيع أن نشاهد ما بين 80 إلى 90 في المائة من المعلومات الجنائية المهمة". في الوقت الذي لا يستطيع التشريح التقليدي الوصول إلى نسبة مائة في المائة من الكشوفات أيضا. أما اختبارات السموم على سبيل المثال فتجري بشكل منفصل.