والصراع لدى المراهق ينشأ من
التغيرات البيولوجية، الجسدية والنفسية التي تطرأ عليه في هذه
المرحلة، فجسدياً يشعر بنمو سريع في أعضاء جسمه قد يسبب له
قلقاً وإرباكاً، وينتج عنه إحساسه بالخمول والكسل والتراخي،
كذلك تؤدي سرعة النمو إلى جعل المهارات الحركية عند المراهق غير دقيقة،
وقد يعتري المراهق حالات من اليأس والحزن والألم التي لا يعرف
لها سبباً، ونفسيا يبدأ بالتحرر من سلطة الوالدين ليشعر
بالاستقلالية والاعتماد على النفس، وبناء المسؤولية
الاجتماعية، وهو في الوقت نفسه لا يستطيع أن يبتعد عن
الوالدين؛ لأنهم مصدر الأمن والطمأنينة ومنبع الجانب المادي
لديه، وهذا التعارض بين الحاجة إلى الاستقلال والتحرر والحاجة
إلى الاعتماد على الوالدين، وعدم فهم الأهل لطبيعة المرحلة
وكيفية التعامل مع سلوكيات المراهق، وهذه التغيرات تجعل المراهق طريد
مجتمع الكبار والصغار، إذا تصرف كطفل سخر منه الكبار، وإذا تصرف
كرجل انتقده الرجال، مما يؤدي إلى خلخلة التوازن النفسي
للمراهق، ويزيد من حدة المرحلة ومشاكلها.
وفي بحث
ميداني ولقاءات متعددة مع بعض المراهقين وآبائهم، أجرته
الباحثة عزة تهامي مهدي (الحاصلة على الماجستير في مجال الإرشاد
النفسي) تبين أن أهم ما يعاني الآباء منه خلال هذه المرحلة مع أبنائهم:
* الخوف
الزائد على الأبناء من أصدقاء السوء.
* عدم
قدرتهم على التميز بين الخطأ والصواب باعتبارهم قليلو الخبرة
في الحياة ومتهورون.
* أنهم
متمردون ويرفضون أي نوع من الوصايا أو حتى النصح.
* أنهم
يطالبون بمزيد من الحرية والاستقلال.
* أنهم
يعيشون في عالمهم الخاص، ويحاولون الانفصال عن الآباء بشتى
الطرق.
* أبرز المشكلات والتحديات السلوكية في حياة المراهق:
1- الصراع الداخلي: حيث يعاني المراهق من جود عدة
صراعات داخلية، ومنها: صراع بين الاستقلال عن الأسرة
والاعتماد عليها، وصراع بين مخلفات الطفولة ومتطلبات الرجولة
والأنوثة، وصراع بين طموحات المراهق الزائدة وبين تقصيره
الواضح في التزاماته، وصراع بين غرائزه الداخلية وبين
التقاليد الاجتماعية، والصراع الديني بين ما تعلمه من شعائر
ومبادئ ومسلمات وهو صغير وبين تفكيره الناقد الجديد وفلسفته الخاصة
للحياة، وصراعه الثقافي بين جيله الذي يعيش فيه بما له من آراء
وأفكار والجيل السابق.
2- الاغتراب والتمرد: فالمراهق يشكو من أن والديه لا
يفهمانه، ولذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات
الوالدين كوسيلة لتأكيد وإثبات تفرده وتمايزه، وهذا يستلزم
معارضة سلطة الأهل؛ لأنه يعد أي سلطة فوقية أو أي توجيه إنما
هو استخفاف لا يطاق بقدراته العقلية التي أصبحت موازية
جوهرياً لقدرات الراشد، واستهانة بالروح النقدية المتيقظة لديه،
والتي تدفعه إلى تمحيص الأمور كافة، وفقا لمقاييس المنطق، وبالتالي
تظهر لديه سلوكيات التمرد والمكابرة والعناد والتعصب والعدوانية.
3- الخجل والانطواء: فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة
يؤديان إلى شعور المراهق بالاعتماد على الآخرين في حل
مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منه أن يستقل عن الأسرة
ويعتمد على نفسه، فتزداد حدة الصراع لديه، ويلجأ إلى الانسحاب
من العالم الاجتماعي والانطواء والخجل.
4- السلوك المزعج: والذي يسببه رغبة المراهق في تحقيق
مقاصده الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة، وبالتالي قد يصرخ،
يشتم، يسرق، يركل الصغار ويتصارع مع الكبار، يتلف الممتلكات،
يجادل في أمور تافهة، يتورط في المشاكل، يخرق حق الاستئذان،
ولا يهتم بمشاعر غيره.
5- العصبية وحدة الطباع: فالمراهق يتصرف من خلال عصبيته
وعناده، يريد أن يحقق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، ويكون
متوتراً بشكل يسبب إزعاجاً كبيراً للمحيطين به.
وتجدر
الإشارة إلى أن كثيراًَ من الدراسات العلمية تشير إلى وجود
علاقة قوية بين وظيفة الهرمونات الجنسية والتفاعل العاطفي عند
المراهقين، بمعنى أن المستويات الهرمونية المرتفعة خلال هذه المرحلة
تؤدي إلى تفاعلات مزاجية كبيرة على شكل غضب وإثارة وحدة طبع عند
الذكور، وغضب واكتئاب عند الإناث.
ويوضح
الدكتور أحمد المجدوب الخبير بالمركز القومي للبحوث
الاجتماعية والجنائية مظاهر وخصائص مرحلة المراهقة، فيقول هي:" الغرق
في الخيالات، وقراءة القصص الجنسية والروايات البوليسية وقصص العنف
والإجرام، كما يميل إلى أحلام اليقظة، والحب من أول نظرة،
كذلك يمتاز المراهق بحب المغامرات، وارتكاب الأخطار، والميل
إلى التقليد، كما يكون عرضة للإصابة بأمراض النمو، مثل: فقر
الدم، وتقوس الظهر، وقصر النظر".
وفي حديثه
مع موقع المسلم، يذكر الدكتور المجدوب من مظاهر وسلوكيات
الفتاة المراهقة: " الاندفاع، ومحاولة إثبات الذات، والخجل من التغيرات
التي حدثت في شكلها، و جنوحها لتقليد أمها في سلوكياتها، وتذبذب
وتردد عواطفها، فهي تغضب بسرعة وتصفو بسرعة، وتميل لتكوين
صداقات مع الجنس الآخر، وشعورها بالقلق والرهبة عند حدوث أول
دورة من دورات الطمث، فهي لا تستطيع أن تناقش ما تحس به من
مشكلات مع أفراد الأسرة، كما أنها لا تفهم طبيعة هذه
العملية".
ويشير
الخبير الاجتماعي الدكتور المجدوب إلى أن هناك بعض المشاكل
التي تظهر في مرحلة المراهقة، مثل: " الانحرافات الجنسية، والميل
الجنسي لأفراد من نفس الجنس، والجنوح، وعدم التوافق مع البيئة، وكذا
انحرافات الأحداث من اعتداء، وسرقة، وهروب"، موضحاً "أن هذه
الانحرافات تحدث نتيجة حرمان المراهق في المنزل والمدرسة من
العطف والحنان والرعاية والإشراف، وعدم إشباع رغباته، وأيضاً
لضعف التوجيه الديني".
ويوضح
المجدوب أن مرحلة المراهقة بخصائصها ومعطياتها هي أخطر منعطف
يمر به الشباب، وأكبر منزلق يمكن أن تزل فيه قدمه؛ إذا عدم التوجيه
والعناية، مشيراً إلى أن أبرز المخاطر التي يعيشها المراهقون في تلك
المرحلة:" فقدان الهوية والانتماء، وافتقاد الهدف الذي يسعون
إليه، وتناقض القيم التي يعيشونها، فضلاً عن مشكلة الفراغ ".
كما يوضح
أن الدراسات التي أجريت في أمريكا على الشواذ جنسياً أظهرت أن
دور الأب كان معدوماً في الأسرة، وأن الأم كانت تقوم بالدورين معاً،
وأنهم عند بلوغهم كانوا يميلون إلى مخالطة النساء ( أمهاتهم –
أخواتهم -..... ) أكثر من الرجال، و هو ما كان له أبلغ الأثر
في شذوذه جنسياً ".
* طرق
علاج المشاكل التي يمر بها المراهق:
قد اتفق
خبراء الاجتماع وعلماء النفس والتربية على أهمية إشراك
المراهق في المناقشات العلمية المنظمة التي تتناول علاج مشكلاته،
وتعويده على طرح مشكلاته، ومناقشتها مع الكبار في ثقة وصراحة، وكذا
إحاطته علماً بالأمور الجنسية عن طريق التدريس العلمي الموضوعي،
حتى لا يقع فريسة للجهل والضياع أو الإغراء".
كما أوصوا
بأهمية " تشجيع النشاط الترويحي الموجه والقيام بالرحلات
والاشتراك في مناشط الساحات الشعبية والأندية، كما يجب توجيههم نحو
العمل بمعسكرات الكشافة، والمشاركة في مشروعات الخدمة العامة والعمل
الصيفي... إلخ".
كما أكدت
الدراسات العلمية أن أكثر من 80% من مشكلات المراهقين في
عالمنا العربي نتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم بموجب
آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، ومن ثم يحجم الأبناء، عن
الحوار مع أهلهم؛ لأنهم يعتقدون أن الآباء إما أنهم لا يهمهم
أن يعرفوا مشكلاتهم، أو أنهم لا يستطيعون فهمها أو حلها.
وقد أجمعت الاتجاهات الحديثة في
دراسة طب النفس أن الأذن المصغية في تلك السن هي الحل
لمشكلاتها، كما أن إيجاد التوازن بين الاعتماد على النفس
والخروج من زي النصح والتوجيه بالأمر، إلى زي الصداقة والتواصي
وتبادل الخواطر، و بناء جسر من الصداقة لنقل الخبرات بلغة الصديق والأخ
لا بلغة ولي الأمر، هو السبيل الأمثال لتكوين علاقة حميمة بين
الآباء وأبنائهم في سن المراهقة".
وقد أثبتت
دراسة قامت بها الـ (Gssw) المدرسة المتخصصة للدراسات
الاجتماعية بالولايات المتحدة على حوالي 400 طفل، بداية من سن رياض
الأطفال وحتى سن 24 على لقاءات مختلفة في سن 5، 9، 15، 18، 21، أن
المراهقين في الأسرة المتماسكة ذات الروابط القوية التي يحظى
أفرادها بالترابط واتخاذ القرارات المصيرية في مجالس عائلية
محببة يشارك فيها الجميع، ويهتم جميع أفرادها بشؤون بعضهم
البعض، هم الأقل ضغوطًا، والأكثر إيجابية في النظرة للحياة
وشؤونها ومشاكلها، في حين كان الآخرون أكثر عرضة للاكتئاب
والضغوط النفسية.
* حلول
عملية:
ولمساعدة
الأهل على حسن التعامل مع المراهق ومشاكله، نقدم فيما يلي
نماذج لمشكلات يمكن أن تحدث مع حل عملي، سهل التطبيق، لكل منها.
المشكلة الأولى: وجود حالة من "الصدية" أو السباحة ضد
تيار الأهل بين المراهق وأسرته، وشعور الأهل والمراهق بأن كل
واحد منهما لا يفهم الآخر.
- الحل المقترح: تقول الأستاذة منى يونس (أخصائية علم
النفس): إن السبب في حدوث هذه المشكلة يكمن في اختلاف مفاهيم
الآباء عن مفاهيم الأبناء، واختلاف البيئة التي نشأ فيها
الأهل وتكونت شخصيتهم خلالها وبيئة الأبناء، وهذا طبيعي
لاختلاف الأجيال والأزمان، فالوالدان يحاولان تسيير أبنائهم
بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، وبالتالي يحجم
الأبناء عن الحوار مع أهلهم؛ لأنهم يعتقدون أن الآباء إما
أنهم لا يهمهم أن يعرفوا مشكلاتهم، أو أنهم لا يستطيعون فهمها، أو
أنهم - حتى إن فهموها - ليسوا على استعداد لتعديل مواقفهم.
ومعالجة
هذه المشكلة لا تكون إلا بإحلال الحوار الحقيقي بدل التنافر
والصراع والاغتراب المتبادل، ولا بد من تفهم وجهة نظر الأبناء فعلاً لا
شكلاً بحيث يشعر المراهق أنه مأخوذ على محمل الجد ومعترف به
وبتفرده - حتى لو لم يكن الأهل موافقين على كل آرائه ومواقفه -
وأن له حقاً مشروعاً في أن يصرح بهذه الآراء. الأهم من ذلك
أن يجد المراهق لدى الأهل آذاناً صاغية وقلوباً متفتحة من
الأعماق، لا مجرد مجاملة، كما ينبغي أن نفسح له المجال ليشق
طريقه بنفسه حتى لو أخطأ، فالأخطاء طريق للتعلم،
وليختر
الأهل الوقت المناسب لبدء الحوار مع المراهق، بحيث يكونا غير
مشغولين، وأن يتحدثا جالسين،
جلسة
صديقين متآلفين، يبتعدا فيها عن التكلف والتجمل، وليحذرا نبرة
التوبيخ، والنهر، والتسفيه..
حاولا
الابتعاد عن الأسئلة التي تكون إجاباتها "بنعم" أو "لا"، أو
الأسئلة غير الواضحة وغير المباشرة، وافسحا له مجالاً للتعبير عن نفسه،
ولا تستخدما ألفاظاً قد تكون جارحة دون قصد، مثل: "كان هذا خطأ"
أو "ألم أنبهك لهذا الأمر من قبل؟".
المشكلة الثانية: شعور المراهق بالخجل والانطواء، الأمر
الذي يعيقه عن تحقيق تفاعله الاجتماعي، وتظهر عليه هاتين
الصفتين من خلال احمرار الوجه عند التحدث، والتلعثم في الكلام
وعدم الطلاقة، وجفاف الحلق.
- الحل المقترح: إن أسباب الخجل والانطواء عند المراهق
متعددة، وأهمها: عجزه عن مواجهة مشكلات المرحلة، وأسلوب
التنشئة الاجتماعية الذي ينشأ عليه، فالتدليل الزائد والقسوة
الزائدة يؤديان إلى شعوره بالاعتماد على الآخرين في حل
مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منه أن يستقل عن الأسرة
ويعتمد على نفسه، فيحدث صراع لديه، ويلجأ إلى الانسحاب من
العالم الاجتماعي، والانطواء والخجل عند التحدث مع الآخرين.
ولعلاج
هذه المشكلة ينصح بـ: توجيه المراهق بصورة دائمة وغير مباشرة،
وإعطاء مساحة كبيرة للنقاش والحوار معه، والتسامح معه في بعض
المواقف الاجتماعية، وتشجيعه على التحدث والحوار بطلاقة مع الآخرين،
وتعزيز ثقته بنفسه.
المشكلة الثالثة: عصبية المراهق واندفاعه، وحدة طباعه،
وعناده، ورغبته في تحقيق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، وتوتره
الدائم بشكل يسبب إزعاجاً كبيراً للمحيطين به.
- الحل المقترح: يرى الدكتور عبد العزيز محمد الحر، أن
لعصبية المراهق أسباباً كثيرة، منها: أسباب مرتبطة بالتكوين
الموروث في الشخصية، وفي هذه الحالة يكون أحد الوالدين عصبياً
فعلاً، ومنها: أسباب بيئية، مثل: نشأة المراهق في جو تربوي
مشحون بالعصبية والسلوك المشاكس الغضوب.
كما أن
الحديث مع المراهقين بفظاظة وعدوانية، والتصرف معهم بعنف،
يؤدي بهم إلى أن يتصرفوا ويتكلموا بالطريقة نفسها، بل قد يتمادوا للأشد
منها تأثيراً، فالمراهقون يتعلمون العصبية في معظم الحالات من
الوالدين أو المحيطين بهم، كما أن تشدد الأهل معهم بشكل مفرط،
ومطالبتهم بما يفوق طاقاتهم وقدراتهم من التصرفات
والسلوكيات، يجعلهم عاجزين عن الاستجابة لتلك الطلبات،
والنتيجة إحساس هؤلاء المراهقين بأن عدواناً يمارس عليهم،
يؤدي إلى توترهم وعصبيتهم، ويدفعهم ذلك إلى عدوانية السلوك
الذي يعبرون عنه في صورته الأولية بالعصبية، فالتشدد المفرط هذا
يحولهم إلى عصبيين، ومتمردين.
وهناك
أسباب أخرى لعصبية المراهقين كضيق المنزل، وعدم توافر أماكن
للهو، وممارسة أنشطة ذهنية أو جسدية، وإهمال حاجتهم الحقيقية للاسترخاء
والراحة لبعض الوقت.